غريب تعرفه السماوات: رحلة الألم والأمل
تاملات في غربة سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي (ع)
عاشوراء


نجوم أحاطت بالقمر، تلاقت الدموع بتلك الليلة الظلماء، واستمعت السماء إلى حكايات الوفاء.
كانوا حول الحسين (ع) يترقبون الموت ترقب الأسد لفريسته،
وكان الغريب يترقب السماء منتظراً أمر الإله.
كيف من غريب تعجبت منه العقول؟
غريب تعرفه السماوات؟
غريب تنام برحمته النجوم؟
غريب تلاطفه الأملاك بالمهد وتطيعه الجنان؟
غريب تنزل القرآن في بيت جده المصطفى؟
في تلك الليلة عرفوا أصحابه كيف لمصباح الهدى أن يغدو غريباً محاطاً بألوف من أبشع ما عرف التاريخ. تلك الليلة انتفضت السماوات ولم تستقر الأرضين.
هو الغريب الذي اختفت قبلات المصطفى عن نحره،
هو الغريب الذي صهرت الشمس ما تبقى من جسده،
هو الغريب الذي لم يعرف الكفن،
هو الغريب الذي فاحت رائحة الجنان من دمه،
هو الغريب الذي رأى تلك النجوم حين ارتحلت،
هو الغريب الذي طاف رأسه البلدان وبقي الجسد مرملاً.
في تلك الليلة وكأني به يراهم واحداً تلو الآخر بنظرات الرحمة، فهم الأصحاب الذين لم تعرف الأرض نفسهم ولم يرَ منهم شبيه.
كما وقال زهير بن القين: "والله لوددت اني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى اقتل كذا الف قتلة وان الله يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك"
هم من احتضنوا الجراح وخشعت لهم السيوف، هم من استلقت أجسادهم صرعى وأرواحهم ما زالت حول الحسين (ع) يناصرون تلك الصرخة ما بقيت. فالحسين رحمة الله الذي به نرى الحياة، ووجوده في الحياة نور وهدى. في تلك الليلة احاطت الغربة بالقمر وبالأصوات وتلك النظرات فكأنها توحي بعظيم المصيبة المرتقبة ولمعرفة تلك الغربة التي عاشها،
كيف به يقف تحت حر الشمس؟
غريب عن الماء فتشققت شفتاه من العطش القاسي،
غريب عن أصحابه فهم قد لقوا الإله،
غريب عن أهل بيته فهم مجزرون صرعى،
غريب عن رضيعه فقد سقوه نبال،
غريب عن نسائه فقد أحرقت الخيام،
غريب عن الدنيا فقد احتوشته الأعداء،
غريب عن قمره فقد انشق القمر.
غريب انارت كلماته الوجود واسفرت عن ظلمات الجحود،
غريباً أسفر عن ثورة الحق وبقاء الدين
غريباً تعلمنا منه أن نلاقي الموت فنموت أحياء
غريباً ركبنا سفينته إلى أعالي الجنان
بأبي من غريب تعرفه الأكوان ولا غريب نفسه.